على مائدة داعش: رحلة في أعماق الفتنة وفقدان الهوية | زهراء عبدالله
في عالم غامض حيث تتداخل الأقدار وتتباين المصائر، تقودنا زهراء عبدالله في روايتها "على مائدة داعش" إلى رحلة مؤلمة لاكتشاف الهوية الفردية مقابل الانتماء الجماعي، بينما يتصارع المجتمع مع أضواء الحقيقة وظلام التطرف. إن الرواية ليست مجرد سرد تاريخي أو توثيق للأحداث، بل هي قصة إنسانية حقيقية تبحث في أعماق النفس البشرية وسط الفوضى التي تتسبب بها الجماعات المتطرفة.
بين الفوضى والواقع: عرض للحدث
تدور أحداث "رواية على مائدة داعش" في زمن عصيب وملتهب، مع تصاعد الأزمات في مناطق عدة من العالم الإسلامي. تعكس الأحداث واقعًا مؤلمًا يعيشه العديد من الشباب في مجتمعاتهم، حيث تُغري رحابة الفضاء الافتراضي الكثيرين في مغامرات خطيرة، وتحجيج نخبة من دعات التطرف لترويج أفكارهم الإرهابية. تتناول الرواية قصصًا متشابكة لشخصيات من خلفيات متعددة، لكنها جميعًا تتقاطع عند نقطة واحدة: الحاجة إلى الانتماء والبحث عن المعنى.
تبدأ القصة بشابة عراقية تُدعى ليلى، التي تعود إلى مسقط رأسها بعد سنوات من الدراسة في الخارج، لتجد نفسها في مواجهة واقع مرير حلّ ببلادها. عائلتها، وبلادها، وذكرياتها جميعها تتعرض للتهديد من قبل تنظيم داعش، وهو ما يعكس الصراع الذي تعيشه الأجيال الشابة بين الحفاظ على هويتها وثقافتها الأصلية ومحاولتها الانسجام مع التغيرات التي يعيشها المجتمع.
شخصيات مغلقة ومفتوحة: بحث عن الذات
تتسم شخصيات الرواية بتعقيدها وعمقها، إذ تجسد كل شخصية جانبًا مختلفًا من التجربة الإنسانية. ليلى، الفتاة التي تبحث عن مكانها، وضعت في موقف صعب يجعلها تتساءل عن ولائها وهويتها. تجد نفسها محاصرة بمشاعر انعدام الأمن والارتباك، لكن تجاربها ستشعل فيها نار البحث عن الذات.
تنضم إلى ليلى مجموعة من الشخصيات التي تعكس تنوع المجتمع العربي. مثل طارق، الشاب الذي ضل طريقه بحثًا عن المعنى، وورد، الصحفي الذي يكافح من أجل البحث عن الحقيقة وسط الأكاذيب. كما تبرز إيناس، الناشطة الحقوقية التي تحاول مساعدة النساء ضحايا الحرب، مما يوضح كيف أن النساء يحملن أعباء إضافية في خضم الفوضى.
كل شخصية في "رواية على مائدة داعش" تمر بمسار تطور محوري يكشف عن حاجاتهم الداخلية وتحدياتهم الدائمة. يجسد هذا التطور الصراعات التي يعيشها الفرد في البحث عن الهوية، وكيف يمكن للحواجز الثقافية والدينية أن تعوق أو تعزز هذا البحث.
النزاع الداخلي: مواجهة المُعتقدات
تستمر الرواية في الغوص في أعماق الصراع النفسي الذي يعاني منه كل من الشخصيات، مما يجعلها ليست فقط رواية عن التطرف، بل عن الفشل في التواصل وفقدان الثقة. من خلال مشاهد مؤلمة ومشوقة، يستعرض عبدالله كيف أن الأفكار التطرفية يمكن أن تتسلل إلى العقول، وتغذي الاتجاهات السلبية ضد الآخر.
استخدام زهراء اللهجة اليومية والمصطلحات الثقافية الدالة يعزز من واقعية الشخصيات. كما تقدم النقد العميق لبعض المعتقدات العربية التقليدية، موضحة كيف يمكن أن تكون هذه المعتقدات جذرًا للعنصرية والتمييز. تعالج الرواية قضايا كره الآخر والتعصب، مما يمنح القارئ فرصة للتفكير في دور كل فرد في مواجهة هذه الظواهر المعاصرة.
السياق الثقافي والديني: عبء الهوية
منذ البداية، تستند الرواية إلى خلفية ثقافية ودينية غنية. تتطرق زهراء عبدالله إلى التاريخ المعاصر للعراق والدول المجاورة، كاشفةً عن الخلافات الطائفية، والفساد، والعنف الذي يعصف بالمجتمعات. من خلال عيون شخصياتها، تعرض التحديات التي تواجهها الأمة العربية في سياق إدارة هويتها وتنظيم مجتمع يسعى للسلام والحرية.
رغم الأحداث المأساوية، تقدم الرواية لمحات من الأمل والصمود. في خضم الصراع، تنشأ علاقات إنسانية عميقة وتظهر قوة الإرادة في مواجهة الظلم. تشجع القارئ على التساؤل: هل يمكن للإنسان أن يجد النور في الأنفاق المظلمة؟
الأسلوب السردي: جمالية الكتابة
تستخدم زهراء عبدالله أسلوبًا سرديًا متماسكًا يجمع بين الوصف الأدبي العميق والشخصيات القوية. تجسد السرد العاطفة بشكل يجعل القارئ يشعر كما لو أنه يعيش الأحداث مع الشخصيات. تتنقل بين المشاعر المختلفة، بدءًا من الخوف والقلق إلى الأمل والإلهام، مما يجعل القصة تجربة جمالية متكاملة.
كأسلوب مثير للاهتمام، تعتمد زهراء على الحوار لتطوير الشخصيات ودفع السرد إلى الأمام، مما يُعطي القصة حيوية وواقعية تحاكي القراء.
خلاصة: أثر الرواية
تستمر "رواية على مائدة داعش" في ترك بصمتها القوية في ذاكرة القارئ، حيث تجعل منه أكثر من مجرد قصة، بل تجربة تعليمية ورحلة داخل النفس الإنسانية. تُظهر كيف يمكن أن تكون الفوضى محركًا للبحث عن الهوية، وكيف يمكن لكل فرد أن يكون له صوت في مواجهة السلبية والصراع. في أثناء استكشاف مواضيع الهجرة، الهوية، والصراع على البقاء، تتجلى الشجاعة البشرية في مواجهة التحديات المتراكمة.
تدعو زهراء عبدالله القارئ لتأمل جوانب الحياة الإنسانية الأكثر تعقيداً، التي تتجاوز الشكليات. إن "على مائدة داعش" هو دعوة للبحث عن النور في العتمة، واستكشاف معنى الانتماء في عالم يعتريه القلق. إن الرواية ليست فقط قصة، بل هي صرخة للحرية والتغيير في قلوب الذين فقدوا البوصلة.