رواية طابق 99: جنى فواز الحسن تكشف عن عوالم متداخلة من الأمل واليأس
في عالم سريع التغير، حيث تتداخل المشاعر وتُشكل التجارب الشخصية مصائر الأفراد، تأتي رواية "طابق 99" للكاتبة جنى فواز الحسن لتسرد حكاية مأخوذة من رحيق الحياة اليومية، ولكنها تتجاوز المألوف لتمس القضايا الإنسانية العميقة. يستهل النص ببيئة مليئة بالتفاصيل الحسية، حيث يُشعر القارئ أنه ليس مجرد متابع، بل هو حاضر في المشهد الذي يتكشف أمام عينيه.
عالم الرواية: رواية من طابق إلى آخر
تدور أحداث الرواية في عمارة مكونة من تسع وتسعين طابقًا، حيث يمثل كل طابق قصة مختلفة وثقافة فريدة من نوعها. كل طابق لديه تاريخه، شخصياته، والعواطف التي تنبنى في تلك الفضاءات المتنوعة. العنوان نفسه، "طابق 99"، يشير إلى القمة، إلى المكان الأكثر ارتفاعًا في العمارة، حيث يختبئ كثير من الأسرار والأحلام الضائعة.
تبدأ الرواية بعدسة البطلة، التي تعيش في الطابق التسعين، مُعزولة عن العالم الخارجي. تُصبح تجاربها في الطابق التسعين نقطة انطلاق الأحداث، حيث تراقب من نافذتها الحياة تتدفق أسفلها، ويتنازع الأمل واليأس في أعماقها.
شخصيات متشابكة: عوالم موازية
البطلة: رحلة إلى الذات
البطلة، "سارة"، شخصية مليئة بالتناقضات. تحاول جنى فواز الحسن من خلال سارة استكشاف مجموعة من القضايا مثل الهوية، الانتماء، والعزلة. سارة تجسد الجيل الذي يعيش بين ثقافتين: الثقافات التقليدية والمعتنقة حديثًا. تتجلى صراعاتها النفسية في تنقلاتها بين الطوابق، إذ تُحاكي تجارب السكان الذين يشاركونها الحياة في هذا البناء العملاق، بينما تخفي في داخلها شعورًا عميقًا بالضياع.
شخصيات الطوابق: انعكاسات عن المجتمع
الشخصيات التي تقابلها سارة تأتي من خلفيات متنوعة وتعيش مشاكل مختلفة تعكس قضايا المجتمع العربي المعاصر. مثلاً، نجد "علي" من الطابق الخامس، الذي يحمل طموحات كبيرة ولكن يُعَوقه الفقر والضغوط الاجتماعية. و"لمياء" من الطابق السابع والستين، التي تكافح من أجل حقوقها كإمرأة في مجتمع يضع قيودًا على أصوات النساء. كل شخصية تحمل درسًا وتجربة يمكن للقارئ التعاطف معها، مما يعكس تنوع المجتمعات العربية وتعقيداتها.
التوتر الدرامي: عشية الانفجار
في الطابق التسعين، تعيش سارة تفشيًا للأحداث المثيرة التي تغير مجرى حياتها. تبدأ الأحداث تأخذ منحى درامي حيث يتعرض المبنى لكارثة، مما يجبر السكان على المواجهة. الكارثة ليست فقط في الجانب المادي، بل تُعامل الرواية أيضاً مع صراعات داخلية تضرب أقوى الأواصر البشرية. تصبح التفاعلات بين الشخصيات عن قرب أكثر إثارة، حيث يستعيد كل منهم ذكرياته، آماله، ومعاناته.
السرد الزمني: تنقل بين الذكريات والحاضر
تتلاعب الروائية الزمن بشكل مُحكم، فتجعل القارئ يسترجع ذكريات سارة والتجارب التي شكلت هويتها عبر تسلسل غير خطي. هذا الأسلوب في السرد يضيف عمقًا للرواية، مما يمكّن القارئ لمسة من الحنين والأسئلة الوجودية حول القضايا الإنسانية. تبدأ سارة في البحث عن ماضيها، محاولةً فهم الأحداث التي أدت بها إلى هذا الطابق العالي.
الأخلاق والأسئلة الوجودية: أبعاد الرواية
رواية "طابق 99" لا تكتفي بسرد الأحداث، بل تتوسع لتطرح أسئلة عميقة تتعلق بما يعنيه أن تكون إنسانًا في العالم الحديث. تُناقش قضايا الهوية والانتماء، وتطرح تساؤلات عن كيفية تجاوز الفرد لتجاربه الشخصية المؤلمة، وكيف يمكن لكل فرد أن يصبح جزءًا من كل أكبر. الحب والصداقة والخيبة تُعتبر محاور رئيسية، وتظهر كيف يمكن لعلاقات الأفراد أن تؤثر على قراراتهم ومصائرهم.
اللغة والأسلوب: إبداع في التعبير
تستخدم جنى فواز الحسن لغة غنية وملهمة، تدفع القارئ للتفكير والمتعة في آنٍ واحد. الأسلوب الأدبي المميز يعبّر عن العواطف بأسلوب يلامس القلوب، وينقل الواقع بطريقة شاعرية وواقعية في الوقت نفسه. كل جملة تحمل في طياتها إحساسًا بالدراما والتوتر، مما يجعل من السهل على القارئ الانغماس في تفاصيل الحياة اليومية للشخصيات.
أفكار ختامية: تأثير الروائي
في النهاية، تُعد "طابق 99" أكثر من مجرد رواية تعتمد على الحبكة السردية. إنها دعوة للتأمل في قضايا إنسانية عميقة، تستعرض أبعاد الحياة في مجتمع مليء بالتحديات والأفراح. تترك جنى فواز الحسن بصمة معبرة على القارئ العربي، حيث تنبهه إلى أهمية العيش في اللحظة الراهنة والتواصل مع من حوله. بتوقيعها هذه الرواية، نجحت في تذكيرنا بأن لكل واحد منا قصة تستحق أن تروى، وأن الطوابق المختلفة التي نعيش فيها ما هي إلا كناية عن الاختلافات التي تُثري الحياة.
"طابق 99" ليست مجرد حكاية، بل هي محاولة لإدخال القارئ في عالم مليء بالخفايا والأسرار، عالم يتجاوز الطبقات المادية لتمتد إلى عمق المشاعر البشرية وتجاربها الفريدة.