تتناول رواية “أصدقائي الموتى شكرًا” للكاتب محمد حسن جاب الله رحلة داخل عالم الطب الشرعي وما يحمله من تحديات نفسية وأخلاقية. يبدأ السرد بسؤال يتكرر كثيرًا: “لماذا اخترت أن تكون طبيبًا شرعيًا؟” ولكن الكاتب يوجه القارئ إلى السؤال الأكثر عمقًا، وهو: “لماذا ينبغي ألّا تكون طبيبًا شرعيًا؟”
الإجابة تكمن في التغير الجذري الذي يحدث للشخص الذي يدخل هذا المجال. يتحول الطبيب الشرعي إلى كائن يعيش في حالة من الانفصام بين عالم الأحياء، الذي يحمل كُل ما هو جميل، وعالم الأموات، الذي يكشف عن قسوة الحياة وحقائقها المرعبة.
الرواية تنقل لنا مشاعر التوتر والشك، حيث يتعرض الطبيب الشرعي لمواجهة الكثير من الحقائق الصادمة. يرى كيف أن الأمور ليست كما تبدو، وكيف أن الأشخاص الجيدين يمكن أن يتعرضوا لأسوأ المآسي، بينما ينجو الأشرار بفعلتهم. هنا، يفقد الإنسان الثقة في كل شيء، وفي معظم الأشخاص من حوله، حتى لو لم يكونوا سيئين.
الكاتب يقدم صورة حية عن طريقة تفكير الطبيب الشرعي، الذي يصبح صديقًا للأموات، متقمصًا شخصيات ضحاياه، متسائلًا عن لحظاتهم الأخيرة، حتى يصبح وكأن الفرد محاصرًا في تجاربهم. كل جثة يتم تشريحها تحمل معه ذكريات تستمر في مطاردته، مما يترك أثرًا عميقًا في النفس لا يمكن التغلب عليه.
تأخذنا الرواية في رحلة استكشاف داخل النفس البشرية، ودروس قاسية عن الحياة والموت، لتجعلنا نعيش لحظات حقيقية من التأمل والتفكر حول معنى الإنسانية والعدالة. في النهاية، تحذر الرواية بقوة من أن دخول هذا العالم يمكن أن يحرم الإنسان من براءة القلب وصفاء الروح، مشيرة إلى أن الثمن الذي يدفعه قد يكون أكبر بكثير مما يمكن تخيله.
“أصدقائي الموتى شكرًا” ليست مجرد رواية، بل هي دعوة للتفكير في الخيارات التي نتخذها وتأثيرها على حياتنا، ورحلة نحو الفهم العميق للشقاء الذي قد يصاحب مهنة الطب الشرعي.